كلما
أحاط بي الوطـن رأيت وجهه يساور خيال امنياتي , رائحته من شجر البلود العصية ,
قالت والعبرة تخنق حنينها : هو من ذلك الجيل الذي لم تستهوه ثقافة المازني او العقاد فيمم وجهه شطر
الماركسية.
لطالما رأيته نحيلا زاهدا الا عن
مبادئه وصدق قوله , اوجعه الزمن في وطنه الذي لم يبدله رغم النكران , صرخ ذات يوم
بصوت عالي : عشنا وشفنا في زمن الرعاع . ظل
يوصف بحرقة وهو يشد علي عنقه اعدام عبدالخالق محجوب رفيق زنزانته , راودته احلام
اعتقالاته وتعذيبه دون رحمة , عاش في السجون ماعاشه شرفاء هذا الوطن وكابد مكابدة
مؤمن بوطن مد البصر والبصيرة .
يسمونه اهله الشريف وينادونه باأبشر , وحينا مبشر ,
رجل استثنائي ,تخرج من بخت الرضا وكان قائدا فيها , قال احد زملائه : هو عضو ملتزم
في الحزب الشيوعي من الوسطي , وجد نفسه في الشعر والخطابة وهو متحدث لبق بالعربية
والانجليزية , أحب التمثيل لكنه كان مؤمنا بالحزب الذي أخذ جل وقته ولم يمنعه ذلك
من سرد مسرحية قيس وليلي بطرافة رجل عرف المدينة والريف بكل تجاعيدها وزغاريدها
وجنائزها , قال عن قيس عندما اغمي عليه ضاحكا : دا لو كبوا آذان بلال في أضانه كب
مابيصحي .
أحب مكتبته بشغف , راقبت
ترحاله في المدن واعتقالاته بصمت محب , وفاء
العلم لايجادله لسان الزمان ولو طال به الأمد , كتب تاريخ السودان القديم , اصل
مدينة الخرطوم والنوبة ومآساة السد العالي وتهجير الحلفاويين , كتب تولستوي الحرب
والسلام وآنا كرنينا , وقصيدة تربوية لمكسيم غوركي يحكي فيها عن تنشئة الاحداث في
عهد الاشتراكية , محمد ابراهيم ابوسليم , طبقات ود ضيف الله , البروفسير عبدالله
الطيب وهو خاله لأمه , له معه الكثير من الحكاوي والذكريات , حكي انه : كان يعمل
في مدرسة امدرمان الصناعية , فقابله عبدالله الطيب في الطريق وكان ذلك في شهر
رمضان , حياه قائلا : طبعا يامبشر انت رمضان دا ماحقكم ’ جاوبه بجدية المتجاهل
وخفة ظله المختبئة خلف روحه النبيلة : فطرت عند ناس فلان جابولنا لحمة محمرة مطبوخة
بي طريقة هلنا في الدامر , ثم سأله با ابتسامة مكر مشاغب : انت ليه اكلنا في الدامر طاعم عشان هناك بيجيدوا صناعة الطعام ولا دي بركة شيخنا المجذوب !! أجابه عبدالله : عشان الاتنين وابتسم
ثم تفرقت بهم السبل .
No comments:
Post a Comment